الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
82- حَدّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُور قَالَ حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعيدٍ الْقَطّانُ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ قالَ أَخْبَرَني أَبِي عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ أنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ مَسّ ذَكَرَهُ فَلاَ يُصلّ حَتّى يَتَوَضّأ". (قَالَ): وفي البابِ عَنْ أُمّ حَبِيبَةَ، وَأَبِي أَيّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَرْوَىَ ابْنَةِ أُنَيْسٍ، وَعاَئِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو. قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حسن صَحِيحٌ. (قَالَ): هَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلَ هَذَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ (عَنْ بُسْرَةَ). 83- (وَرَوَى أَبُو أُسَامَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم (نَحْوَهُ). حَدّثَنَا بِذَلِكَ إِسْحاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدّثَنَا أَبُو أُسامَةَ بِهَذَا. 84- وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو الزّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. حَدّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ (قَالَ) حدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ أَبي الزّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. وهوَ قَوْل غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَالتّابَعِينَ وَبِهِ يِقُولُ الأَوْزَاعِيّ وَالشّافِعِيّ وَأَحْمدُ وَإِسْحَاقُ. قَالَ مْحمّدٌ: (و) أَصَحّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ. (وَ) قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: حَدِيثُ أُمّ حَبِيبَةَ فِي هذَا الْبَابِ صَحِيحٌ، وَهُوَ حَدِيثُ العَلاَءِ بنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بنِ أَبِي سفْيَانَ عَنْ أُمّ حَبِيبَةَ. وَقَالَ مُحَمّدٌ: لَمْ يَسْمَعْ مَكْحُولٌ مِنْ عَنْبَسَةَ بن أَبي سفْيَانَ. وَرَوَى مَكْحولٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَنْبَسَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَديثِ. وَكأَنّهُ لَمْ يَرَ هذَا الْحَديثَ صَحِيحاً. قوله: (عن بسرة بنت صفوان) بضم الموحدة وسكون السين صحابية لها سابقة وهجرة عاشت إلى ولاية معاوية. قوله: (ومن مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ) فيه دليل على أن مس الذكر ينقض الوضوء، والمراد مسه من غير حائل لما أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب ولا ستر فقد وجب عليه الوضوء وصححه الحاكم وابن عبد البر وقال ابن السكن هو أجود ما روى في هذا الباب. قوله: (وفي الباب عن أم حبيبة وأبي أيوب وأبي هريرة وأروى ابنة أنيس وعائشة وجابر ويزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو) وأيضاً في الباب عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وطلق بن علي والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة. فأما حديث أم حبيبة فأخرجه ابن ماجه والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة كذا في المنتقى. وقال الخلال في العلل: صحح أحمد حديث أم حبيبة وقال ابن السكن لا أعلم به علة كذا في التلخيص. وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن ماجه. وأما حديث أبي هريرة فتقدم تخريجه. وأما حديث أروى ابنة أنيس بضم الهمزة وفتح النون مصغراً فأخرجه البيهقي، قال الحافظ في التلخيص: وسأل الترمذي البخاري عنه فقال ما تصنع بهذا لا تشتغل به. وأما حديث عائشة فأخرجه الدارقطني وضعفه، قال الحافظ وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو. وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه والأثرم وقال ابن عبد البر إسناده صالح وقال الضياء لا أعلم بإسناده بأساً وقال الشافعي سمعت جماعة من الحفاظ غير ابن نافع يرسلونه. وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه أحمد والبزار. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والبيهقي من طريق بقية حدثني محمد بن الوليد الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ قال الترمذي في العلل عن البخاري هو عندي صحيح. وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الحاكم. وأما حديث أم سلمة فذكره الحاكم. وأما حديث ابن عباس فأخرجه البيهقي وفي إسناده الضحاك بن حمزة وهو منكر الحديث. وأما حديث ابن عمرو فأخرجه الدراقطني والبيهقي. وأما حديث علي بن طلق فأخرجه الطبراني وصححه. وأما حديث النعمان بن بشير فذكره ابن منده وكذا حديث أنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة. كذا في التلخيص ص 46. قوله: (هذا) أي حديث بسرة (حديث حسن صحيح) وأخرجه الخمسة كذا في المنتقى، وقال في النيل وأخرجه أيضاً مالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، وقال أبو داود قلت لأحمد حديث بسرة ليس بصحيح قال بل هو صحيح وقال الدارقطني صحيح ثابت وصححه أيضاً يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر وأبو حامد بن الشرقي والبيهقي والحازمي قاله الحافظ. قلت: وكل ما طعنوا به في صحة حديث بسرة هذا فهو مدفوع والحق أنه صحيح. قوله: (وهكذا روى غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة إلخ) حاصله: أن غير واحد من أصحاب هشام رووا هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بلا ذكر واسطة بين عروة وبسرة، وهكذا روى أبو الزناد عن عروة عن بسرة ورواه غير واحد من أصحاب هشام عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة بذكر واسطة مروان بن عروة وبسرة، وليست رواية من روى بلا ذكر واسطة بين عروة وبسرة بمنقطعة، قال الحافظ في التلخيص: وقد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان: قال عروة فذهبت إلى بسرة فسألتها فصدقته واستدل على ذلك برواية جماعة من الأئمة له عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة. قال عروة ثم لقيت بسرة فصدقته انتهى. قوله: (وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق) وقال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار ص 40 وممن روى عنه الإيجاب يعني إيجاب الوضوء من مس الذكر من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وابن عباس في إحدى الروايتين رضوان الله عليهم أجمعين ومن التابعين عروة ابن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير عن رجال من الأنصار وسعيد بن المسيب في أصح الروايتين وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق والمشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء انتهى. قوله: (قال أبو زرعة حديث أم حبيبة في هذا الباب أصح) تقدم تخريج حديث أم حبيبة (وقال محمد) يعني البخاري (لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان) وكذا قال يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي أنه لم يسمع منه وخالفهم دحيم وهو أعرف بحديث الشاميين فأثبت سماع مكحول من عنبسة قاله الحافظ.
85- حدّثنا هَنّادٌ، حَدّثَنَا مُلاَزِمُ بنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بدْرٍ عَنْ قَيْسِ بنِ طَلْقِ بنِ عَلِيّ (هُو) الْحَنفِيّ عَنْ أَبيهِ عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "وَهَلْ هُوَ إلاّ مضْغَةٌ مِنّهُ؟ أَوْ بَضْعَةٌ منْهُ؟". (قَالَ): وفي البابِ عنْ أبي أُمَامَةَ. قال أبو عيسى: وَقَدْ رُوِي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْضِ التّابِعينَ: أنّهُمْ لَمْ يَرَوُا الْوُضوء منْ مَسّ الذّكَرَ. وهو قَوْلُ أهْل الْكوفَةِ وَابْنِ الْمُباَرَكِ. وهَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوي فِي هذَا الْبَابِ. وقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أيّوبُ بنُ عُتْبَةَ وَمُحَمّدُ بنُ جَابِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ تَكَلّم بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي مُحمّدِ بن جَابِرٍ وأيوب بن عُتْبَةَ. وَحَدِيثُ مُلاَزِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بَدْرٍ أَصَحّ وَأَحْسَنُ. قوله: (نا ملازم بن عمرو) بن عبد الله بن بدر السحيمى بالمهملتين مصغراً أبو عمرو اليمامي وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما (عن عبد الله بن بدر) السحيمى اليمامي روى عن ابن عباس وطلق بن علي وعنه سبطه ملازم بن عمرو وعكرمة بن عمار وثقه ابن معين وأبو زرعة (عن قيس بن طلق بن علي الحنفي) اليمامي وثقه العجلي وابن معين وابن حبان والحنفي بفتح الحاء والنون منسوب إلى حنفية قبيلة من اليمامة (عن أبيه) أي طلق بن علي صحابي وفد قديماً وبني في المسجد كذا في الخلاصة، وقال الطيبي إن طلقا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجد المدينة وذلك في السنة الأولى. قوله: (وهل هو إلا مضغة) بضم الميم وسكون الضاد وفتح الغين المعجمتين أي قطعة لحم أي ليس الذكر إلا قطعة لحم (منه) أي من الرجل (أو بضعة) بفتح الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة بمعنى المضغة، وهما لفظان مترادفان معناهما القطعة من اللحم وأو للشك من الراوي. وفي رواية أبي داود قال: قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال يا بني الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ، فقال صلى الله عليه وسلم هل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه. قوله: (وفي الباب عن أبي أمامة) أخرجه ابن ماجه وفي سنده جعفر بن الزبير وهو متروك والقاسم وهو ضعيف. قال الحافظ الزيلعي هو حديث ضعيف، قال البخاري والنسائي والدارقطني في جعفر ابن الزبير متروك والقاسم أيضاً ضعيف. وفي الباب أيضاً عن عصمة بن مالك قال الحافظ الزيلعي هو حديث ضعيف أيضاً. قوله: (وقد روى عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك) قال الحازمي في كتاب الاعتبار ص 40 قد اختلف أهل العلم في هذا الباب فذهب بعضهم إلى حديث طلق بن علي ورأوا ترك الوضوء من مس الذكر روى ذلك عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبي الدراداء وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وربيعة بن عبد الرحمن وسفيان بن زائدة الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ويحيى بن معين وأهل الكوفة انتهى. واستدل هؤلاء بحديث طلق بن علي المذكور في هذا الباب. وأجاب ابن الهمام عن حديث بسرة بنت صفوان المذكور في الباب المتقدم بأن حديث طلق بن علي يترجح عليه بأن حديث الرجال أقوى لأنهم أحفظ للعلم وأضبط ولهذا جعلت شهادة امرأتين بمنزلة رجل. وفيه أن بسرة بنت صفوان لم تنفرد بحديث إيجاب الوضوء من مس الذكر بل رواه عدة رجال من الصحابة منهم أبو هريرة وحديثه صحيح كما عرفت ومنهم عبد الله بن عمرو وحديثه أيضاً صحيح كما عرفت، ومنهم جابر وإسناد حديثه صالح كما عرفت، ومنهم زيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن عمرو وغيرهم وتقدم تخريج أحاديثهم. وأجاب بعضهم بأن حديث طلق أثبت من حديث بسرة وقد أسند الطحاوي إلى ابن المديني أنه قال حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة وعن عمرو بن علي الفلاس أنه قال حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة.
وفيه أن الظاهر أن حديث بسرة هو الأثبت والأقوى والأرجح. قال البيهقي يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يخرجه الشيخان ولم يحتجا بأحد رواته وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته كذا في التلخيص. قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام: حديث بسرة أرجح لكثرة من صححه ولكثرة شواهده وقد اعترف بذلك بعض العلماء الحنفية حيث قال في تعليقه على موطأ الإمام محمد: الإنصاف في هذا البحث أنه إن اختير طريق الترجيح ففي أحاديث النقض كثرة وقوة انتهى. وقال في حاشيته على شرح الوقاية إن أحاديث النقض أكثر وأقوى من أحاديث الرخصة انتهى. وأجاب بعضهم بأن حديث بسرة منسوخ بحديث طلق. وفيه أن هذا دعوى من غير دليل بل الدليل يقتضي حلافه كما ستعرف عن قريب. وأجاب بعضهم بأن المراد بالوضوء في حديث بسرة الوضوء اللغوي أو غسل اليد. وفيه أن الواجب أن تحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية. على أنه قد وقع في حديث ابن عمر عند الدارقطني فليتوضأ وضوءه للصلاة. وقال بعضهم إن حديث بسرة وحديث طلق تعارضا فتساقطا والأصل عدم النقض. وفيه أن حديث بسرة هو أثبت وأقوى وأرجح من حديث طلق كما عرفت فيقدم عليه، ثم الظاهر أن حديث بسرة متأخر وحديث طلق متقدم فيجعل المتأخر ناسخاً والمتقدم منسوخاً كما ستعرف عن قريب. واحتج من قال بنقض الوضوء من مس الذكر بحديث بسرة المذكور في الباب المتقدم وله شواهد كثيرة كما عرفت. وأجابوا عن حديث طلق: أولاً بأنه ضعيف، وثانياً بأنه منسوخ. قال الحازمي في كتاب الاعتبار: قالوا أما حديث طلق فلا يقاوم هذا الحديث يعني حديث بسرة لأسباب منها نكارة سنده وركاكة روايته. قال الشافعي في القديم وزعم يعني من خالفه أن قاضي اليمامة ومحمد بن جابر ذكرا عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن لا وضوء منه. قال الشافعي: قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا فيه قبول خبره وقد عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث وثبته. وأشار الشافعي إلى حديث أيوب بن عتبة قاضي اليمامة، ومحمد بن جابر السحيمي عن قيس بن طلق وقد مر حديثهما وأيوب بن عتبة ومحمد بن جابر ضعيفان عند أهل العلم بالحديث وقد روى حديث طلق أيضاً ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس إلا أن صاحبي الصحيح لم يحتجا بشيء من روايتهما. ورواه أيضاً عكرمة بن عمارة عن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً وعكرمة أقوى من رواه عن قيس إلا أنه رواه منقطعاً. قالوا: وقد روينا عن يحيى بن معين أنه قال لقد أكثر الناس في قيس بن طلق وأنه لا يحتج بحديثه. روينا عن أبي حاتم أنه قال سألت أبي زرعة عن هذا الحديث فقالا قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة ووهناه ولم يثبتاه. قالوا وحديث قيس بن طلق كما لم يخرجه صاحبا الصحيح لم يحتجا أيضاً بشيء من رواياته ولا بروايات أكثر رواة حديثه في غير هذا الحديث. وحديث بسرة وإن لم يخرجاه لاختلاف وقع في سماع عروة من بسرة أو هو عن مروان عن بسرة فقد احتجا بسائر رواة حديثها مروان فمن دونه. قالوا فهذا وجه رجحان حديثها على حديث قيس من طريق الإسناد كما أشار إليه الشافعي لأن الرجحان إنما يقع بوجود شرائط الصحة والعدالة في حق هؤلاء الرواة دون من خالفهم. انتهى كلام الحازمي. قلت: الراجح المعول عليه هو أن حديث بسرة وحديث طلق كلاهما صحيحان لكن حديثها أصح وأثبت وأرجح من حديثه كما عرفت فيما تقدم. وأما القول بأن حديث طلق منسوخ فاستدلوا عليه بأن حديث طلق متقدم وحديث بسرة متأخر. قال الحازمي في كتاب الاعتبار ص 45 و46 الدليل على ذلك يعني النسخ من جهة التاريخ أن حديث طلق كان في أول الهجرة زمن كان النبي صلى الله عليه وسلم يبني المسجد وحديث بسرة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو كان بعد ذلك لتأخرهم في الإسلام. ثم روى الحازمي بإسناده عن طلق بن علي قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبنون المسجد فقال يا يمامي أنت أرفق بتخليط الطين ولدغتني عقرب فرقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: كذا روى من هذا الوجه مختصراً وقد روى من وجه أخر أتم من هذا. وفيه ذكر الرخصة في مس الذكر، قالوا: إذا ثبت أن حديث طلق متقدم وأحاديث المنع متأخرة وجب المصير إليها وصح ادعاء النسخ في ذلك ثم نظرنا هل نجد أمراً يؤكد ما صرنا إليه فوجدنا طلقاً روى حديثاً في المنع فدلنا ذلك على صحة النقل في إثبات النسخ وأن طلقاً قد شاهد الحالتين وروى الناسخ والمنسوخ. ثم ذكر الحازمي بإسناده عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مس فرجه فليتوضأ. قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد وهما عندى صحيحان يشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وغيرهم ممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء من مس الذكر فسمع الناسخ والمنسوخ. ثم روى الحازمي بإسناده عن إسمعيل سعيد الكسائي الفقيه أنه قال: المذهب في ذلك عند من يرى الوضوء من ذلك يقولون قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء من مس الذكر من وجوه شتى فلا يرد ذلك بحديث ملازم بن عمرو وأيوب بن عتبة ولو كانت روايتهما مثبة لكان في ذلك مقال لكثرة من روى بخلاف روايتهما ومع ذلك الاحتياط في ذلك أبلغ. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناده صحيح أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه أفلا ترون أن الذكر لا يشبه سائر الجسد ولو كان ذلك بمنزلة الإبهام والأنف والأذن وما هو منا كان لا بأس علينا أن نمسه بأيماننا، وكيف يشبه الذكر بما وصفوه من الإبهام وغيره ذلك ولو كان ذلك شرعاً سواءاً لكان سبيله في المس ما سميناه ولكن ههنا علة قد غابت عنا معرفتها ولعل ذلك أن تكون عقوبة لكي يترك الناس مس الذكر فنصير من ذلك إلى الاحتياط. انتهى كلام الحازمي. قال ابن حبان في صحيحه: إن حديث طلق أوهم عالماً من الناس أنه معارض لحديث بسرة وليس كذلك لأنه منسوخ فإن طلق بن علي كان قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم أول سنة من سني الهجرة حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ثم أخرجه بسنده إلى طلق بن علي قال: وأبو هريرة إسلامه سنة سبع من الهجرة فكان خبر أبي هريرة بعد خبر طلق لسبع سنين وطلق بن علي رجع إلى بلده، ثم أخرج عن طلق بن علي قال خرجنا وفداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر خمسة من بني حنيفة ورجلاً من بني ابن ربيعة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه وأخبرنا أن بأرضنا بيعة لنا واستوهبناه من فضل طهوره فقال اذهبوا بهذا الماء فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم ثم انضحوا مكانها من هذا الماء واتخذوا مكانها مسجداً. وفيه حتى قدمنا بلدنا فعملنا الذي أمرنا: قال ابن حبان فهذا بيان واضح أن طلق بن علي رجع إلى بلده بعد قدومه ثم لا يعلم له رجوع إلى المدينة بعد ذلك، فمن ادعى ذلك فليثبته بسنة مصرحة ولا سبيل له إلى ذلك. انتهى كلام ابن حبان. قال بعض العلماء الحنفية في شرحه لشرح الوقاية المسمى بالسعاية بعد ذكر كلام الحازمي المذكور ما لفظه: هذا تحقيق حقيق بالقبول فإنه بعد إدارة النظر من الجانبين يتحقق أن أحاديث النقض أكثر وأقوى من أحاديث الرخصة وأن أحاديث الرخصة متقدمة وهو وإن لم يكن متيقناً لجواز أن يكون حديث أبي هريرة وغيره من مراسيل الصحابة لكنه هو الظاهر فالأخذ بالنقض أحوط وهو وإن كان مما يخالفه القياس من كل وجه لكن لا مجال بعد ورود الحديث. وأما كون أجل الصحابة كابن مسعود وابن عباس وعلي ونحوهم قائلين بالرخصة فلا يقدح بعد ثبوت الآثار المرفوعة والعذر من قبلهم أنه قد بلغهم حديث طلق وأمثاله ولم يبلغهم ما ينسخه ولو وصل لقالوا به وهذا ليس بمستبعد فقد ثبت انتساخ التطبيق في الركوع عند جمع ولم يبلغ ابن مسعود وحتى دام على ذلك مع كونه ملازماً للرسول عليه الصلاة والسلام. انتهى كلامه. قلت: الأمر عندي كما قال صاحب السعاية والله تعالى أعلم. قوله: (وهذا الحديث أحسن شيء روى في هذا الباب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والطبراني وابن حزم، وقال ابن المديني هو أحسن من حديث بسرة وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزى، وادعى فيه النسخ ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون كذا في التلخيص، قلت: تقدم كلام الحازمي وابن حبان. قوله: (وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر وأيوب بن عتبة) قال الخزرجي في الخلاصة في ترجمة محمد بن جابر: ضعفه ابن معين وقال الفلاس صدوق متروك الحديث وقال الحافظ في التقريب صدوق ذهبت كتبه فساء حفظه وخلط كثيراً وعمى فصار يلقن، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة انتهى. وقال الحافظ في ترجمة أيوب بن عتبة ضعيف وقال الذهبي في الميزان في ترجمته ضعفه أحمد وقال مرة ثقة لا يقيم حديث يحيى، وقال ابن معين ليس بالقوى، وقال البخاري هو عندهم لين، وقال أبو حاتم أما كتبه فصحيحة ولكن يحدث من حفظه فيغلط، وقال ابن عدى مع ضعفه يكتب حديثه. وقال النسائي مضطرب الحديث انتهى. ورواية محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه أخرجها أبو داود وابن ماجه.
86- حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَ هِنّادٌ، وَ أَبو كُرَيْبٍ، وَ أَحْمَدُ بن مَنِيعٍ، وَ مَحمودُ بنُ غَيلاَنَ، و أَبو عَمّارٍ (الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ) قالوا: حدثنَا وَكِيعٌ عَنِ الأعْمشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبي ثَابتٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قبّلَ بَعْضَ نِسِائِهِ، ثمّ خَرَجَ إلى الصّلاَة وَلَمْ يَتَوَضّأْ. قال: قلت: مَنْ هِيَ إلاّ أَنتِ؟ (قالَ): فَضحكَتْ". قال أبو عيسى: وَقَدْ رُوِي نَحْوُ هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَالتّابعينَ. وَهُوَ قَولُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَأَهْلِ الكوفَةِ، قالوا لَيْسَ في الْقُبْلَةِ وُضُوءٌ. وَقَال مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالأوْزَاعِيّ، وَالشّافِعِيّ، وَأحْمَدُ، وإسْحَاقُ: فِي القُبْلَةِ وُضُوءٌ، وَهو قَوْلُ غَيْر وَاحِدٍ (مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) مِنْ أصحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم والتّابعينَ. وَإِنّمَا تَرَكَ أصْحَابنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا لأِنّه لاَ يَصِحّ عِنْدَهُمْ، لِحَالِ الإْسْنَادِ. قَالَ: وسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْعَطّارَ الْبَصْريّ يَذْكُر عَنْ عَلِيّ بْنِ المَدينيّ قالَ. ضَعّفَ يَحْيَى بن سعيدٍ الْقَطّانُ هذَا الْحَدِيثَ جِدّا، وَقال: هوَ شِبهُ لا شَيْء. قال: وَسَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ إِسمَاعِيلَ يُضَعّفُ هَذَا الْحَديثَ وَقالَ: حبِيبُ بن أَبي ثَابتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوةَ. وَقَدْ رُوي عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ عَنْ عَائِشَةَ: "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَبّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضّأْ". وَهَذَا لاَ يَصِحّ أَيْضاً، ولاَ نَعْرِفُ لإبْراهيمَ التّيْمِيّ سَماعًا مِنْ عَائِشَةَ. وليْسَ يَصِحّ عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في هذَا الْبَابِ شيْءٌ. قوله: (عن عروة) قال الحافظ الزيلعي لم ينسب الترمذي عروة في هذا الحديث أصلاً وأما ابن ماجه فإنه نسبه فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة فذكره، وكذلك رواه الدارقطني ورجال هذا السند كلهم ثقات انتهى، وكذلك قال الحافظ ابن حجر وقال وأيضاً فالسؤال الذي في رواية أبي داود ظاهر في أنه ابن الزبير لأن المزني لا يجسر أن يقول ذلك الكلام لعائشة انتهى كلام الحافظ، وأراد بالسؤال الذي في رواية أبي داود قوله من هي إلا أنت وهذا السؤال موجود في رواية الترمذي أيضاً. قوله: (قبل بعض نسائه) أي بعض أزواجه (ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) أي فصلى بالوضوء السابق ولم يتوضأ وضوءاً جديداً من التقبيل وفيه دليل على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء. قوله: (قد روى نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا ليس في القبلة وضوء) وإليه ذهب علي وابن عباس وعطاء وطاوس وأبو حنيفة، واستدل لهم بحديث عائشة المذكور في الباب وهو حديث ضعيف لكنه مروي من طرق يقوي بعضها بعضاً وبحديث أبي سلمة عن عائشة قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، أخرجه البخاري ومسلم. وفي لفظ فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي ثم سجد، وبحديثها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وأني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسنى برجله، أخرجه النسائي. قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح وقال الزيلعي إسناده على شرط الصحيح، وبحديثها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوضعت يدي على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، الحديث أخرجه مسلم والترمذي (وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق في القبلة وضوء وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين) وإلى ذلك ذهب ابن مسعود وابن عمر والزهري، واستدل هؤلاء بقوله تعالى {أو لامستم النساء} قالوا هذه الاَية صرحت بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء وهو حقيقة في لمس اليد ويؤيد بقاؤه على معناه الحقيقي قراءة "أو لمستم" فإنها ظاهرة في مجرد اللمس من دون جماع، روى البيهقي عن أبي عبيدة وطارق بن شهاب عن عبد الله قال قوله {أو لامستم النساء} قول معناه ما دون الجماع، قال البيهقي هذا إسناد موصول صحيح، وروى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول قبله الرجل أمرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبل أمرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء. وقد أجيب: عن هذا بأنه لا كلام في أن حقيقة الملامسة واللمس هو الجس باليد لكن المراد في الاَية المجاز وهو الجماع لوجود القرينة وهي أحاديث عائشة المذكورة التي استدل بها القائلون بأن القبلة ليس فيها وضوء، وقد صرح ابن عباس رضي الله عنهما الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله بأن اللمس المذكور في الاَية هو الجماع، وقد تقرر أن تفسيره أرجح من تفسير غيره لتلك المزية، وكذلك صرح على رضي الله عنه أيضاً، قال الحافظ عماد الدين في تفسيره اختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين: أحدهما: أن ذلك كناية عن الجماع لقوله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة} الاَية وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} الاَية قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى {أو لامستم النساء} قال الجماع، وروي عن علي وأبي بن كعب ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك وقال ابن جرير حدثني حميد بن مسعدة ثنا يزيد بن زريع ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال. ذكروا اللمس فقال ناس من الموالي ليس بالجماع، وقال ناس من العرب اللمس الجماع، قال فلقيت ابن عباس فقلت له إن ناساً من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس فقالت الموالي ليس بالجماع وقالت العرب الجماع، قال فمن أي الفريقين كنت قلت كنت من الموالي، قال غلب فريق الموالي إن اللمس والمس والمباشرة الجماع، ولكن الله يكنى ما شاء بما شاء إلى أن قال وقد صح من غير وجه عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك ثم قال ابن جرير وقال آخرون عني الله تعالى بذلك كل من لمس بيد أو بغيرها من أعضاء الإنسان وأوجب الوضوء على كل من مس بشيء من جسده شيئاً من جسدها ثم أورد أثر عبد الله بن مسعود وابن عمر وأقوال جماعة من التابعين في أن القبلة من المس وفيها الوضوء ثم قال: والقول بوجوب الوضوء من المس هو قول الشافعي وأصحابه ومالك والمشهور عن أحمد بن حنبل، ثم قال ابن جرير وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال عنى الله بقوله {أو لامستم النساء} الجماع دون غيره عن معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ انتهى. قلت: قول من قال إن مس المرأة لا ينقض الوضوء هو الأقوى والأرجح عندي والله تعالى أعلم. قوله: (وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم الحال الإسناد) فهو ضعيف، لكن قال الشوكاني في النيل: الضعيف منجبر بكثرة رواياته وبحديث لمس عائشة لبطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم، والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها لقدمه صلى الله عليه وسلم بما ذكره ابن حجر في الفتح من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل أو على أن ذلك خاص به تكلف ومخالفة للظاهر انتهى كلامه، والمراد من قوله أصحابنا أهل الحديث. قال الشيخ سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي ما لفظه: وجزاين نيست له ترك كردند أصحاب ما أهل حديث حديث عائشة إلخ، وقال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: قوله وإنما ترك أصحابنا أي من أهل الحديث أو من الشافعية كذا قال بعض العلماء لكن الظاهر هو الأول انتهى قلت بل هو المتعين وقد تقدم ما يتعلق بقوله أصحابنا في المقدمة (قال وسمعت أبا بكر العطار البصري) اسمه أحمد بن محمد بن إبراهيم، صدوق من الحادية عشرة كذا في التقريب (وقال هو شبه لا شيء) يعني أنه ضعيف والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه (وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة) قال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل: ذكر أبي عن إسحق بن منصور عن يحيى بن معين قال لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة، وكذلك قال أحمد لم يسمع من عروة انتهى. (وقد روى عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ) أخرجه أبو داود والنسائي (وهذا لا يصح أيضاً ولا يعرف لإبراهيم التيمي سماعاً من عائشة) قال الدارقطني في سننه بعد رواية حديث إبراهيم التيمي عن عائشة وإبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة ولا من حفصة ولا أدرك زمانهما وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثورى عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة فوصل إسناده، واختلف عنه في لفظه فقال عثمان بن أبي شيبة عنه بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، وقال عنه غير عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ والله أعلم انتهى (وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء) أي في باب ترك الوضوء من القبلة، لكن حديث الباب مروي من طرق كثيرة فالضعف منجبر بكثرة الطرق، ويؤيده أحاديث عائشة الأخرى كما قد عرفت. واعلم أن القائلين بانقاض الوضوء من القبلة ولمس المرأة اختلفوا في اشتراط وجود اللذة وعدمه، قال الزرقاني في شرح الموطأ: لم يشترط الشافعي وجود اللذة لظاهر قول ابن عمر وابن مسعود وعمر والاَية وللاجماع على وجوب الغسل على المستكرهة والنائمة بالتقاء الختانين وإن لم تقع لذة واشترط مالك اللذة أو وجودها عند اللمس وهو أصح لأنه لم يأت في الملامسة إلا قولان الجماع وما دونه ومن قال بالثاني إنما أراد ما دونه مما ليس بجماع ولم يرد اللطمة ولا قبلة الرجل ابنته ولا اللمس بلا شهوة فلم يبق إلا ما وقعت به اللذة إذ لا خلاف أن من لطم أمرأته أو داوى جرحها لا وضوء عليه فكذلك من لمس ولم يلتذ كذا قال ابن عبد البر وفيه نظر، فذهب الشافعي أن مس المرأة بلطمها أو مداوة جرحها ناقض للوضوء فإن أراد نفي الخلاف في مذهبه لم يتم الدليل لأنه من جملة محمل النزاع انتهى كلام الزرقاني.
(باب الوضوء من القيء والرعاف) بضم الراء الدم الذي يخرج من الأنف وأيضاً الدم بعينه كذا في القاموس 87- حدّثنا أَبو عُبَيدَةَ بن أَبي السّفَرِ، (وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الله الْهَمْدَانِيّ الْكوفيّ) وَإِسْحَاقُ بن مَنْصُورٍ، قال أَبو عُبَيْدَةَ: حَدّثَنَا، وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرنَا عبدُ الصّمَدِ بن عَبْدِ الْوَارِثِ حدثَنيِ أَبي عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي كَثِيرٍ قال: حَدثَنى عَبدُ الرّحْمَنِ بن عَمٍرو الأوْزَاعيّ عَنْ يَعيشَ بن الْوَليدِ الْمَخْزُومِيّ عَنْ أَبيهِ عَنْ مَعْدَانَ بن أَبي طَلْحَةَ عَنْ أَبي الدّرْدَاءِ: "أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قاءَ (فَأَفْطَرَ) فَتَوَضأَ، فلَقِيْتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَذَكَرْتُ ذِلكَ له، فقال صَدَقَ. أَنَا صَبَبْتُ له وَضُوءَهُ". (قال أبو عيسى): وقَال إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ: (مَعْدانُ بن طَلْحَةَ). قال أبو عيسى: و (ابن أَبي طلْحةَ) أَصَحّ. (قال أبو عيسى): وَ (قَدْ) رَأَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعلمِ مِنْ أَصْحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم (وَغيْرهمْ منَ) التّابعينَ: الْوُضُوءَ مِنَ الْقَيْءِ وَالرّعَافِ. وَهُوَ قوْلُ سُفْيَانَ الثّوريّ وابنِ المُبَاركِ وأَحْمَدَ وإسْحَاقَ. وقال بعْضُ أَهلِ الْعِلْمِ: لَيْسَ فِي الْقَيْءِ والرّعَافِ وُضُوءٌ. وَهُوَ قَولُ مَالِكٍ والشّافِعِيّ. وَقَدْ جَوّدَ حُسَيْنٌ المُعَلّمُ هَذَا الْحَدِيثَ. وَحَديثُ حُسَيْنٍ أَصَحّ شَيْءٍ في هذا الباب. وَرَوَى مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بن أَبي كَثِيرٍ فأَخْطَأَ فِيهِ، فقال: "عَنْ يَعِيشَ بنَ الْوَليدِ عَنْ خَالِد بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبي الدّرْدَاءِ" وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ (الأوزَاعَيّ) وقَال: (عَنْ خَالِدٍ بن مَعْدَانَ) وَإِنّمَا هُوَ (مَعْدَانُ بنُ أَبي طَلْحَةَ). قوله: (حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر) اسمه أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي السفر بفتح السين والفاء سعيد بن يحمد الكوفي، روى عن عبد الله بن نمير وأبي أسامة وعبد الصمد بن عبد الوارث وغيرهم، وعنه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال أبو حاتم شيخ مات سنة 258 ثمان وخمسين ومائتين كذا في الخلاصة، وقال في التقريب صدوق يهم (وإسحق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة كذا في التقريب، وقال في الخلاصة هو أحد الأئمة المتمسكين بالسنة صاحب مسائل الإمامين أحمد وإسحاق رحال جوال واسع العلم، عن ابن عيينة والنضر بن شميل وخلق، وعنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وقال ثقة ثبت مات سنة 251 إحدى وخمسين ومائتين (قال أبو عبيدة ثنا وقال إسحاق أنا عبد الصمد بن عبد الوارث) يعني قال أبو عبيدة في روايته ثنا عبد الصمد بلفظ التحديث، وقال إسحاق في روايته أنا عبد الصمد بلفظ الإخبار، وعبد الصمد بن عبد الوارث هذا هو ابن سعيد العنبري التنوري أبو سهل البصري الحافظ، صدوق ثبت في شعبة من التاسعة مات سنة 207 سبع ومائتين. (قال حدثني أبي) هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري قال النسائي ثقة ثبت وقال الحافظ الذهبي أجمع المسلمون على الاحتجاج به، قال ابن سعد توفي سنة 180 سنة ثمانين ومائة (عن حسين المعلم) هو الحسين بن ذكوان المعلم الكتب العوذي البصري ثقة ربما وهم قاله الحافظ (عن يعيش بن الوليد المخزومي) الأموي المعيطي روى عن أبيه ومعاوية وعنه يحيى بن أبي كثير والأوزاعي وثقه النسائي (عن أبيه) هو الوليد بن هشام بن معاوية بن هشام بن عقبة بن أبي معيط بالتصغير الأموي أبو يعيش المعيطي، ثقة من السادسة. (عن معدان بن أبي طلحة) ويقال ابن طلحة اليعمري شامي ثقة قاله الحافظ. قوله: (قاء فتوضأ) قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: الفاء تدل على أن الوضوء كان مرتباً على القيء وبسببه وهو المطلوب، فتكون هي للسببية فيندفع به ما أجاب به القائلون بعدم النقض من أنه لا دلالة في الحديث على أن القيء ناقض للوضوء لجواز أن يكون الوضوء بعد القيء على وجه الاستحباب أو على وجه الاتفاق انتهى. قلت: قوله قاء فتوضأ ليس نصاً صريحاً في أن القيء ناقض للوضوء لاحتمال أن تكون الفاء للتعقيب من دون أن تكون للسببية، قال الطحاوي في شرح الآثار وليس في هذين الحديثين يعني في حديث أبي الدرداء وثوبان بلفظ قاء فأفطر دلالة على أن القيء كان مفطراً له إنما فيه قاء فأفطر بعد ذلك انتهى. (فلقيت ثوبان) قائله معدان بن أبي طلحة (فذكرت ذلك له) أي فذكرت لثوبان أن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ (فقال) أي ثوبان (صدق) أي أبو الدرداء (أنا صببت له) صلى الله عليه وسلم (وضوأه) بفتح الواو أي ماء وضوئه. قوله: (وقال إسحاق بن منصور معدان بن طلحة) بحذف لفظ أبي (وابن أبي طلحة أصح) بزياده لفظ أبي كما في رواية أبي عبيدة. قوله: (وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف وهو قول سفيان الثورى وابن المبارك وأحمد وإسحاق) وهو قول الزهري وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير والنخعي وقتادة والحكم بن عيينة وحماد والثوري والحسن بن صالح بن حي وعبيد الله بن الحسين والأوزاعي كذا ذكره ابن عبد البر. واستدل لهم بحديث الباب. قلت: الاستدلال بحديث الباب موقوف على أمرين. الأول: أن تكون الفاء في فتوضأ للسببية وهو ممنوع كما عرفت. والثاني: أن يكون لفظ فتوضأ بعد لفظ قاء محفوظاً وهو محل تأمل. فإنه روى أبو داود هذا الحديث بلفظ قاء فأفطر، وبهذا اللفظ ذكر الترمذي في كتاب الصيام حيث قال وروى عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، قال وإنما معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً فقاء فضعف فأفطر لذلك. هكذا روى في بعض الحديث مفسراً انتهى. وأورده الشيخ ولي الدين محمد بن عبد الله في المشكاة بلفظ قاء فأفطر وقال رواه أبو داود والترمذي والدارمي انتهى. وأورده الحافظ في التلخيص بهذا اللفظ حيث قال: حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم من حديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، قال معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق إلخ، ورواه الطحاوي بهذا اللفظ في شرح الآثار فمن يروم الاستدلال بحديث الباب على أن القيء ناقض للوضوء لا بد له من أن يثبت أن لفظ توضأ بعد لفظ قاء محفوظ، فما لم يثبت هذان الأمران لا يتم الاستدلال. واستدل: لهم أيضاً بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم، أخرجه ابن ماجه. قلت: هذا حديث ضعيف فإنه من رواية إسمعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة، ثم الصواب أنه مرسل. واستدل: لهم أيضاً بأحاديث أخرى ذكرها الزيلعي في نصب الراية والحافظ في الدراية وكلها ضعيفة لا يصلح واحد منها للاستدلال من شاء الوقوف عليها وعلى ما فيها من الكلام فليرجع إلى هذين الكتابين، قال النووي في الخلاصة: ليس في نقض الوضوء وعدم نقضه بالدم والقيء والضحك في الصلاة حديث صحيح انتهى كذا في نصب الراية ص 23 (وقال بعض أهل العلم ليس في القيء والرعاف وضوء وهو قول مالك والشافعي) فعند مالك لا يتوضأ من رعاف ولا قيء ولا قيح يسيل من الجسد ولا يجب الوضوء إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر وقيل ومن نوم وعليه جماعة أصحابه وكذلك الدم عنده يخرج من الدبر لا وضوء فيه لأنه يشترط الخروج المعتاد، وقول الشافعي في الرعاف وسائر الدماء الخارجة كقوله إلا ما يخرج من المخرجين سواء كان دماً أو حصاة أو دوداً أو غير ذلك، وممن كان لا يرى في الدماء الخارجة من غير المخرجين الوضوء طاوس ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن عبد الرحمن وأبو ثور كذا قال ابن عبد البر في الاستذكار، وقال البخاري في صحيحه: وقال الحسن ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وقال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز ليس في الدم وضوء انتهى. قال الحافظ في الفتح: قوله وأهل الحجاز هو من عطف العام على الخاص لأن الثلاثة المذكورين قيل حجازيون، وقد رواه عبد الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد بن جبير وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر وسعيد بن المسيب وأخرجه إسمعيل القاضي من طريق أبي الزناد عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة وهو قول مالك والشافعي: قال وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبع انتهى كلام الحافظ. قلت: أثر عمر هذا رواه مالك في الموطأ وفيه فصلى عمر وجرحه يثعب دماً. قال الزرقاني بمثلثة ثم عين مفتوحة، قال ابن الأثير أي يجري انتهى. واحتج لمالك والشافعي ومن تبعهما بما في صحيح البخاري تعليقاً عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع فرمى رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته انتهى. أجاب عنه الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات بأنه إنما ينتهض حجة إذا ثبت اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة ذلك الرجل، وقال الخطابي ولست أدري كيف يصح الاستدلال والدم إذا سال أصاب بدنه وربما أصاب ثيابه ومع إصابة شيء من ذلك لا تصح صلاة إلا أن يقال إن الدم كان يجري من الجرح على سبيل الدفق حتى لم يصب شيئاً من ظاهر بدنه وإن كان كذلك فهو أمر عجب كذا ذكره الشمني انتهى كلام الشيخ. قلت: حديث جابر المذكور صحيح، قال الحافظ في فتح الباري أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم انتهى، والظاهر هو اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة ذلك الرجل فإن صلاته تلك كانت في حالة الحراسة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر العلامة العيني حديث جابر هذا في شرح الهداية من رواية سنن أبي داود وصحيح ابن حبان والدارقطني والبيهقي. قال وزاد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لهما قال ولم يأمره بالوضوء ولا بإعادة الصلاة انتهى، فإن كان الأمر كما قال العيني فاطلاعه صلى الله عليه وسلم على صلاة ذلك الرجل ثابت، وأما قول الخطابي ولست أدري كيف يصح الاستدلال إلخ فقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره: ويحتمل أن يكون الدم أصاب الثوب فقط فنزعه ولم يسل على جسمه إلا قدر يسير معفو عنه، ثم الحجة قائمة به على كون خروج الدم لا ينقض ولم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه انتهى. وأجاب هؤلاء عما تمسك به الأولون بأن حديث أبي الدرداء المذكور في الباب بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر ليس بنص صريح في أن القيء ناقض للوضوء كما عرفت، ثم هو مروي بهذا اللفظ وقد روي بلفظ قاء فأفطر، قال الشوكاني في النيل الحديث عند أحمد وأصحاب السنن الثلاث وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، قال معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، الحديث وبأن حديث عائشة المذكور ضعيف لا يصلح للاحتجاج فإنه من رواية إسمعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي ورواية إسمعيل عن الحجازيين ضعيفة. قوله: (وحديث حسين أحسن شيء في هذا الباب) قال ابن منده إسناده صحيح متصل وتركه الشيخان في سنده، قال الترمذي جوده حسين، وكذا قال أحمد وفيه اختلاف كثير ذكره الطبراني وغيره كذا في النيل.
(باب الوضوء بالنبيذ) بفتح النون وكسر الباء ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير. نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً وأنبذته اتخذته نبيذاً سواء كان مسكراً أم لا ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر قاله ابن الأثير في النهاية 88- حدّثنا هَنّادٌ حدثنا شَرِيكٌ عَنْ أَبي فَزَارَةَ عَنْ أبي زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعودٍ قَال: "سأَلنَي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: مَا فِي إِدَاوتِكَ؟ فَقلت: نَبِيذٌ. فَقَالَ: تَمْرَةٌ طَيّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ: قالَ: فَتَوَضّأَ مِنْهُ". قال أبو عيسى: وَإِنّمَا رُوِي هذا الْحَديثُ عَنْ أَبي زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الله عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم. وَأبو زَيْدٍ رجُلٌ مَجْهولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَديثِ لا تعْرَفُ لَهُ روايَةٌ غَيْرُ هَذَا الْحَديثِ. وَقَدْ رأى بَعْضُ أهلِ العلْمِ الْوُضُوءَ بِالنّبِيذِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ (الثّوْرِيّ) وغَيْرُهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لاَ يُتَوَضّأُ بِالنّبِيذِ، وَهُو قَوْلُ الشّافِعيّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. (وَ) قال إِسْحَاق: إن ابْتُلِيَ رَجُلٌ بِهَذَا فَتَوَضأَ بِالنّبَيذِ وَتيَمّمَ أَحَبّ إِلَيّ. قال أبو عيسى: وَقَوْلُ مَنْ يَقولُ "لاَ يَتَوَضْأُ بِالنّبِيذِ": أقْرَبُ إلى الكتَابِ وَأَشْبَهُ، لأنّ الله تَعَالى قال: {فَلَم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعيداً طَيّباً}. قوله: (نا شريك) هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي (عن أبي فزارة) اسمه راشد بن كيسان الكوفي، ثقة من الخامسة (عن أبي زيد) مجهول ليس يدري من هو ولا يعرف أبوه ولا بلده. قوله: (سألني النبي صلى الله عليه وسلم ما في إداوتك) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء وفي رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن ما في إداوتك (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (تمرة طيبة وماء طهور) بفتح الطاء أي النبيذ ليس إلا تمرة وهي طيبة وماء وهو طهور فليس فيه ما يمنع التوضؤ. قوله: (وإنما روى هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث) قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية: قال ابن حبان في كتاب الضعفاء: أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود ليس يدري من هو ولا أبوه ولا بلده ومن كان بهذا النعت. ثم لم يروا إلا خبرا واحداً خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه انتهى. وقال ابن أبي حاتم في كتابه العلل: سمعت أبا زرعة يقول حديث أبي فزارة بالنبيذ ليس بصحيح وأبو زيد مجهول، وذكر ابن عدى عن البخاري قال: أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف القرآن انتهى. قال القاري في المرقاة: قال السيد جمال: أجمع المحدثون على أن هذا الحديث ضعيف انتهى. وقال الحافظ في فتح الباري: هذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه انتهى. وقال الطحاوي في معاني الآثار: إن حديث ابن مسعود روى من طرق لا تقوم بمثلها حجة انتهى. والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه. قوله: (وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان وغيره) ومنهم أبو حنيفة. قال في شرح الوقاية: فإن عدم الماء إلا نبيذ التمر قال أبو حنيفة بالوضوء به فقط وأبو يوسف بالتيمم فحسب ومحمد بهما انتهى. واستدل لهم بحديث عبد الله بن مسعود المذكور في الباب وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج. وروى أن الإمام أبا حنيفة رجع إلى قول أبي يوسف. قال القاري في المرقاة: وفي خزانة الأكمل قال التوضؤ بنبيذ التمر جائز من بين سائر الأشربة عند عدم الماء ويتيمم معه عند أبي حنيفة وبه أخذ محمد وفي رواية عنه يتوضأ ولا يتيمم وفي رواية يتيمم ولا يتوضأ وبه أخذ أبو يوسف وروى نوح الجامع أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول انتهى. وقال العيني في شرح البخاري ص 948 ج1 ما لفظه: وفي أحكام القرآن لأبي بكر الرازي عن أبي حنيفة في ذلك ثلاث روايات إحداها يتوضأ به ويشترط فيه النية ولا يتيمم وهذه هي المشهورة. وقال قاضيخان هو قوله الأول وبه قال زفر والثانية يتيمم ولا يتوضأ رواها عنه نوح بن أبي مريم وأسد بن عمر والحسن بن زياد. قال قاضيخان وهو الصحيح عنه والذي رجع إليها وبها قال أبو يوسف وأكثر العلماء واختار الطحاوي هذا. والثالثة روى عنه الجمع بينهما وهذا قول محمد انتهى. (وقال بعض أهل العلم لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وبه قال أكثر العلماء وجمهورهم. ودليلهم أن النبيذ ليس بماء وقال الله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً} وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج وضعف الطحاوي أيضاً حديث عبد الله بن مسعود واختار أنه لا يجوز بالنبيذ الوضوء في سفر ولا في حضر. وقال إن حديث ابن مسعود روي من طرق لا تقوم بمثلها حجة، وقد قال عبد الله ابن مسعود إني لم أكن ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم ووددت أني كنت معه. وسئل أبو عبيدة هل كان أبوك ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لا. مع أن فيه انقطاعاً لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ولم نعتبر فيه اتصالا ولا انقطاعاً ولكنا احتججنا بكلام أبي عبيدة لأن مثله في تقدمه في العلم ومكانه من أمره لا يخفى عليه مثل هذا فجعلنا قوله حجة فيه انتهى (وقول من قال لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه لأن الله تعالى قال) {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً} أي والنبيذ ليس بماء. قال ابن العربي في العارضة: والماء يكون في تصفيته ولونه وطعمه فإذا خرج عن إحداها لم يكن ماء. وقال فلم يجعل بين الماء والتيمم واسطة، وهذه زيادة على ما في كتاب الله عز وجل والزيادة عندهم على النص نسخ ونسخ القرآن عندهم لا يجوز إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر ولا ينسخ الخبر الواحد إذا صح فكيف إذا كان ضعيفاً مطعوناً فيه انتهى. تنبيه: قال صاحب العرف الشذي: وأما قول إنه يلزم الزيادة على القاطع بخبر الواحد فالجواب أنه وإن كان الماء المنبذ مقيداً في بادئ الرأي إلا أن العرب يستعملون النبيذ موضع الماء المطلق فلم يكن على طريق التفكه بل يكون مثل الماء المخلوط بالثلج المستعمل في زماننا فإنه لا يقول أحد بأنه ماء مقيد انتهى. قلت: هذا الجواب واه جداً فإن النبيذ لو كان مثل الماء المخلوط بالثلج لم يقع الاختلاف في جواز التوضؤ به عند عدم الماء بل يجوز الوضوء به عند وجود الماء أيضاً كما يجوز الوضوء بالماء المخلوط بالثلج عند وجود الماء الخالص بالاتفاق. والعجب كل العجب أنه كيف تفوه بأن النبيذ مثل الماء المخلوط بالثلج ومعلوم أن الثلج نوع من أنواع من المياه الصرفة. فالماء المخلوط به ماء صرف وأما النبيذ فليس بماء صرف بل هو ماء اختلط به أجزاء ما ألقى فيه من التمر وغيره وصار طعمه حلواً بحيث زال عنه اسم الماء، ألا ترى أنه وقع في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم سأل ابن مسعود هل معك ماء فقال لا مع أنه كان معه النبيذ. قال الزيلعي في نصب الراية: إنه عليه السلام قال هل معك ماء قال لا فدل على أن الماء استحال في التمر حتى سلب عنه اسم الماء وإلا لما صح نفيه عنه انتهى، وأما قوله إن العرب يستعملون النبيذ موضع المطلق إلخ فلا يجدي نفعاً فإن باستعمالهم شيئاً غير الماء مكان الماء المطلق لا يكون ذلك الشيء عند الشرع ماء مطلقاً وفي حكمه. واعلم أن هذا الإشكال الذي ذكره القاضي أبو بكر بن العربي عسير جداً على الحنفية لا يمكن منهم دفعه ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وأما ما قيل من أن حديث النبيذ مشهور يزاد بمثله على الكتاب فهو مما لا يلتفت إليه فإن شراح الهداية قد بينوا أن هذا الحديث ليس مشهوراً بالشهرة الاصطلاحية الذي تجوز به الزيادة، نعم له شهرة عرفية ولغوية كما ذكره صاحب السعاية وقال الزيلعي في نصب الراية. أما كونه مشهوراً فليس يريد الاصطلاحي انتهى. وأما قول صاحب بذل المجهود قال به جماعة من كبراء الصحابة منهم علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم فتبين أن الحديث ورد مورد الشهرة والاستفاضة حيث عمل به الصحابة وتلقوه بالقبول ومثله مما ينسخ به الكتاب. فمبني على قلة اطلاعه، فإنه لم يثبت بسند صحيح عن أحد من الصحابة التوضؤ بالنبيذ، قال الحافظ في الدراية: قوله والحديث مشهور عمل به الصحابة: أما الشهرة فليست الاصطلاحية وإنما يريد شهرته بين الناس، وأما عمل الصحابة فلم يثبت عن أحد منهم فقد أخرج الدارقطني ذلك من وجهين ضعيفين عن علي ومن وجه آخر أضعف منهما عن ابن عباس ومن طريق أخرى عن ابن عباس مرفوعاً إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ فليتوضأ به وأخرجه من وجه آخر نحوه وقال الصواب موقوف على عكرمة، قال البيهقي رواه هقل والوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة من قوله وكذا قال شيبان وعلي بن المبارك عن يحيى انتهى.
89- حدّثَنَا قُتَيْبَةُ، حدّثَنَا اللّيْثُ عَنْ عُقَيلٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ الله (بن عَبْدِ الله) عَنْ ابنِ عَبّاسٍ: "أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَناً فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمضَ، وقال: إنّ لَهُ دَسَماً". (قال) وفي البَابِ: عَنْ سَهْلِ بْنِ سْعد الساعِديّ، وَأُمّ سَلَمَةَ. قال أبو عيسى: (وَ) هَذَا حَدِيثٌ (حَسَنٌ) صَحِيحٌ. وَقَدْ رأى بَعْضُ أَهلِ العِلْمِ المَضْمَضَةَ مِنَ الّلبَنِ وَهَذَا عِنْدنَا عَلَى الاسْتِحْبَابِ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمُ المَضْمَضَةَ مِنَ اللّبَنِ. قوله: (عن عقيل) بضم العين مصغراً هو ابن خالد بن عقيل بالفتح الأيلي أبو خالد مولى عثمان، روى عن القاسم وسالم والزهري وخلق، وعنه أيوب بن أيوب والليث، وثقه أحمد قال أبو حاتم أثبت من معمر مات سنة 141 إحدى وأربعين ومائة. قوله: (إن له دسماً) منصوب على أنه اسم إن وقدم عليه خبره. والدسم بفتحتين الشيء الذي يظهر على اللبن من الدهن، وهو بيان لعلة المضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شيء دسم، ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف. قاله الحافظ وغيره. قوله: (وفي الباب عن سهل بن سعد وأم سلمة) أخرج حديثهما ابن ماجه قال الحافظ في الفتح وإسناد كل منهما حسن. قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) هذا أحد الأحاديث التي أخرجها الأئمة الخمسة وهم الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي عن شيخ واحد وهو قتيبة. قاله الحافظ. قوله: (وهذا عندنا على الاستحباب). فإن قلت: روى ابن ماجه هذا الحديث من طريق الوليد بن مسلم. قال حدثنا الأوزاعي فذكره بصيغة الأمر: مضمضوا من اللبن الحديث. ورواه ابن ماجه من حديث أم سلمة وسهل بن سعد مثله وأصل الأمر الوجوب. قلت: نعم الأصل في الأمر الوجوب لكن إذا وجد دليل الاستحباب يحمل عليه وههنا دليل الاستحباب موجود. قال الحافظ في الفتح والدليل على أن الأمر فيه للاستحباب ما رواه الشافعي عن ابن عباس راوي الحديث: أنه شرب لبناً فمضمض ثم قال لو لم أتمضمض ما باليت، وروى أبو داود بإسناد حسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فلم يتمضمض ولم يتوضأ انتهى كلام الحافظ. فإن قلت: ادعى ابن شاهين أن حديث أنس ناسخ لحديث ابن عباس. قلت: لم يقل به أحد ومن قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ؟ قاله العيني.
90- حَدّثَنَا نَصْرُ بن عَلِيّ وَ مُحَمّدُ بنُ بَشّار قَالاَ: حَدّثَنَا أَبو أَحْمَد (مَحَمّد بنُ عَبْدِ الله الزّبَيْريّ) عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الضّحّاكِ بن عثْمانَ عَنْ نَافعٍ عنِ ابْنِ عُمَرَ: "أَنّ رَجلاً سَلّم عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُو يَبُول فَلَمْ يَردّ عَليْهِ". قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَإِنّمَا يُكْرَهُ هَذَا عِنْدنَا إِذا كاَنَ عَلَى الغَائِطِ وَالْبَوْلِ. وَقَدْ فَسّرَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ ذَلِكَ. وَهذَا أَحْسنُ شَيْءِ رُوِي في هَذَا البابِ. (قال أبو عيسى): وفي البابِ عن المُهَاجرِ بن قُنْفذٍ، وعبدِ الله بن حنْظَلَةَ، وعَلْقَمَةَ بن الفَغْوَاء، وجَابرٍ، والبَراءِ. قوله: (قالا نا أبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري الكوفي. ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري من التاسعة مات سنة 203 ثلاث ومائتين كذا في التقريب (عن سفيان) هو الثوري (عن الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي المدني روى عن زيد بن أسلم ونافع وخلق وعنه الثوري وابن وهب ويحيى القطان وخلق وثقه ابن معين وأبو داود وابن سعد وقال توفي بالمدينة سنة 153 ثلاث وخمسين ومائة، وقال أبو زرعة ليس بقوي كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يهم. قوله: (فلم يرد عليه) في هذا دلالة على أن المسلم في هذه الحالة لا يستحق جواباً وهذا متفق عليه بين العلماء بل قالوا يكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط فإن سلم كره له رد السلام، ويكره للقاعد لقضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشيء من الأذكار فلا يرد السلام ولا يشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن ماجه أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري. قوله: (وإنما يكره هذا) أي رد السلام (إذا كان) أي الذي سلم عليه (على الغائط والبول) وأما إذا فرغ وقام فلا كراهة في رد السلام، وعلى هذا فلا مطابقة بين الحديث والباب إذ الحديث خاص والباب عام. قوله: (وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ وعبد الله بن حنظلة وعلقمة بن الشفواء وجابر والبراء) أما حديث المهاجر بن قنفذ فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ: إنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه وقال إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة، ولفظ أبو داود وهو يبول، وأما حديث عبد الله بن حنظلة فأخرجه أحمد بلفظ: إن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بال فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال بيده إلى الحائط يعني أنه تيمم. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه رجل لم يسم انتهى. وأما حديث علقمة بن الشفواء فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ: قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهرق الماء نكلمه فلا يكلمنا حتى يأتي منزله فيتوضأ وضوءه للصلاة قلنا يا رسول الله نكلمك فلا تكلمنا ونسلمك فلا ترد علينا حتى نزلت آية الرخصة {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} الاَية. قال الهيثمي وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف انتهى. وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه ابن ماجه وقد تقدم لفظه، وفي الباب عن جابر بن سمرة أيضاً قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي ثم دخل بيته ثم خرج فقال وعليكم السلام. أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وقال تفرد به الفضل بن أبي حسان قال الهيثمي في مجمع الزوائد: لم أجد من ذكره، وأما حديث البراء وهو ابن عازب فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ إنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه السلام حتى فرغ. قال الهيثمي فيه من لم أعرفه انتهى.
91- حدثنَا سَوّارُ بنُ عبدِ الله العَنْبَرِيّ حدثنَا المعْتَمِرُ بنُ سليمانَ قال سَمِعْتُ أيّوبَ (يحَدّثُ) عنْ محمدِ بنِ سيرينَ عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُغْسَلُ الإناءُ إذَا ولغَ فيهِ الكَلْبُ سبَع مراتٍ: أولاهُنّ، أو أُخْرَاهُنّ بالترابِ. وإذَا وَلغتْ فيهِ الهِرّةُ غُسلَ مرةً". قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهُو قَوْلُ الشّافِعيّ وأحمدَ وَإِسْحَاقَ. وقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وجْهٍ عَنِ أَبي هُرَيْرَةَ عنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ: "إِذا وَلَغَتْ فِيهِ الْهِرّةُ غُسِلَ مَرّةً". قالَ: وفي البابِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ مُغَفّلٍ. قوله: (حدثنا سوار) بفتح السين وتشديد الواو (بن عبد الله العنبري) التميمي البصري قاضي الرصافة وغيرها ثقة من العاشرة غلط من تكلم فيه قاله الحافظ، روى عن معتمر بن سليمان ويزيد بن زريع وغيرهما، وعنه أبو داود والترمذي والنسائي ووثقه قال ابن حبان في الثقات: مات سنة 245 خمس وأربعين ومائتين (نا المعتمر بن سليمان) التيمي أبو محمد البصري أحد الأعلام يلقب بالطفيل ثقة مات سنة 187 سبع وثمانين ومائة (قال سمعت أيوب) بن أبي تميمه كيسان السختياني البصري الفقيه أحد الأئمة الأعلام ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء مات سنة 131 إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون عن محمد بن سيرين الأنصاري البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات سنة 110 عشرة ومائة. قوله: (إذا ولغ) يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه أو أدخل لسانه فيه فحركه، وقال ثعلب هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه. زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب كذا في الفتح (أولاهن أو اخراهن بالتراب) كذا في رواية الترمذي، وفي رواية مسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين أولاهن. قال الحافظ في الفتح: هي رواية الأكثر عن ابن سيرين ثم ذكر الروايات المختلفة في محل غسلة التتريب ثم قال ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حديث المعنى أيضاً لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه انتهى. فقوله أولاهن أو أخراهن بالتراب في رواية الترمذي إن كانت كلمة أو فيه للشك من الراوي فيرجع إلى الترجيح وقد عرفت أن رواية أولاهن أرجح، وإن كانت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو تخيير منه. قوله: (وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة) هذه الجملة ليست من الحديث المرفوع بل هي مدرجة وسيجيء تحقيقه. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. قوله: (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الشوكاني في النيل والحديث يدل على وجوب الغسلات السبع من ولوغ الكلب. وإليه ذهب ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وطاوس وعمرو بن دينار والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود انتهى. وقال النووي: فيه وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجماهير وقال أبو حنيفة يكفي غسله ثلاث مرات انتهى. وقال الحافظ في الفتح: أما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب واعذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور: منها كون أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع. وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه والاحتمال لا يثبت النسخ. وأيضاً فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعاً ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أصح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر. أما النظر فظاهر وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد. وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير. ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب ولم تقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى. وأجيب: بإنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون منها في تغليظ الحكم، وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار. : دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل. وتعقب: بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جداً لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وقد ذكر ابن مغفل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب انتهى كلام الحافظ. تنبيه: ذكر النيموي فعل أبي هريرة عن عطاء عن أبي هريرة أنه قال إذا ولغ الكلب في الإناء غسله ثلاث مرات، قال رواه الدارقطني وآخرون وإسناده صحيح ثم ذكر قول أبي هريرة عن عطاء عن أبي هريرة قال إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاث مرات، قال رواه الدارقطني والطحاوي وإسناده صحيح انتهى. قلت: مدار فعل أبي هريرة وقوله على عبد الملك بن أبي سليمان لم يروهما غيره وهو وإن كان ثقة لكن كان له أوهام وكان يخطئ. قال الحافظ في التقريب صدوق له أوهام. وقال الخزرجي في الخلاصة قال أحمد ثقة يخطئ. قال الدارقطني بعد روايته هذا موقوف ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء اهـ. قال البيهقي تفرد به عبد الملك من أصحاب عطاء ثم أصحاب أبي هريرة والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروون سبع مرات وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات لمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض روايته تركه شعبة بن الحجاج ولم يحتج به البخاري في صحيحه انتهى. كذا ذكر العيني كلام البيهقي في شرح البخاري ولم يتكلم عليه إلا أنه نقل عن أحمد والثوري أنه من الحفاظ وعن الثوري هو ثقة فقيه متقن وعن أحمد بن عبد الله ثقة ثبت في الحديث. وقد عرفت أنه ثقة يخطئ وله أوهام ولم يحتج به البخاري في صحيحه فكيف ما رواه مخالفاً وقد ثبت عن أبي هريرة بإسناد أصح من هذا أنه أفتى بغسل الإناء سبع مرات موافقاً لحديثه المرفوع، ففي سنن الدارقطني ص 33 حدثنا المحاملي نا حجاج بن الشاعر نا عارم نا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة في الكلب يلغ في الإناء قال يهراق ويغسل سبع مرات، قال الدارقطني صحيح موقوف انتهى. وقول أبي هريرة هذا أرجح وأقوى إسناداً من قوله وفعله المذكورين المخالفين لحديثه المرفوع كما عرفت في كلام الحافظ. فقوله الموافق لحديثه المرفوع يقدم على قوله وفعله المذكورين، وأما قول النيموي في التعليق ولم يرو أحد من أصحابه يعني أصحاب أبي هريرة أثراً من قوله أو فعله خلاف ما رواه منه عطاء إلا ابن سيرين في رواية عند البيهقي. قال في المعرفة وروينا عن حماد بن زيد ومعتمر بن سليمان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة من قوله نحو روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ولم يذكر السند حتى ينظر فيه انتهى فمبني على قصور نظره أو على فرط تعصبه فإن البيهقي وإن لم يذكر سنده فالدارقطني ذكره في سننه وقال بعد روايته صحيح موقوف وقد صرح الحافظ في الفتح بأنه سنده أرجح وأقوى من سند قوله المخالف لحديثه. والعجب من النيموي أنه رأى في سنن الدارقطني قول أبي هريرة المخالف لروايته ونقله منه ولم ير فيه قوله الموافق لحديثه وكلاهما مذكوران في صفحة واحدة. تنبيه آخر: قال صاحب العرف الشذي وجواب الحديث من قبلنا أن التسبيع مستحب عندنا كما صرح به الزيلعي شارح الكنز ثم وجدته مروياً عن أبي حنيفة في تحرير ابن الهمام انتهى. قلت: فبطل بهذا قولكم بادعاء نسخ التسبيع يا معشر الحنفية، ثم حمل الأمر بالتسبيع على الاستحباب ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم، الحديث. ثم قال: ولو كان التسبيع واجباً كيف اكتفى بالتثليث؟ قلت تقدم جوابه في كلام الحافظ. ثم قال: وفتوى التثليث مرفوعة في كامل ابن عدي عن الكرابيسي وهو حسين بن علي تلميذ الشافعي وهو حافظ إمام فالحديث حسن أو صحيح. فهذا يدل على أنه سمع بلا واسطة نسخ عموم القتل والرخصة في كلب الصيد ونحوه، وظاهر سياق مسلم عنه أن الأمر بالغسل سبعاً وقع بعد ذلك، ويدل عليه صريحاً رواية الطحاوي في شرح معاني الآثار عنه. قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال مالي وللكلاب ثم قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب، فدل ذلك صريحاً على أن الأمر بالغسل سبعاً كان بعد نسخ الأمر بقتل الكلاب لا في ابتداء الإسلام انتهى ما في السعاية. قال العيني بعد ذكر احتمال اعتقاد الندب والنسيان: هذا إساءة الظن بأبي هريرة فالاحتمال الناشئ من غير دليل لا يسمع انتهى. قلت: قدره صاحب السعاية فقال إن احتمال النسيان واعتقاد الندب ليس بإساءة ظن وليس فيه قدح بوجه من الوجوه انتهى. قلت: وفي احتمال اعتقاد الندب كيف يكون إساءة الظن وقد قال صاحب العرف الشذي: وجواب الحديث من قبلنا أن التسبيع مستحب عندنا كما صرح به الزيلعي وصاحب الكنز ثم وجدته مروياً عن أبي حنيفة في تحرير ابن الهمام انتهى. قال العيني بعد ما ذكر أن قياس سؤر الكلب على العذرة قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار ما لفظه: ليس هو قياس في مقابلة النص بل هو من باب ثبوت الحكم بدلالة النص انتهى. قلت قد رده صاحب السعاية فقال هذا لو تم لدل على تطهير الإناء من سؤر الكلب واحداً أو ثلاثاً بدلالة النص وأحاديث السبع دالة بعبارتها على اشتراط السبع وقد تقرر في الأصول أن العبارة مقدمة على الدلالة، قال وأيضاً هذا منقوض بنقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة مع عدم نقضه بسبب المسلم في الصلاة وهو أشد منه فالجواب الجواب انتهى. وإن شئت الوقوف على ما بقي من تعقباته مع بيان ما فيها من الخدشات فارجع إلى السعاية. تنبيه: اعلم أن الشيخ ابن الهمام قد تصدى لإثبات نسخ أحاديث السبع فذكر فيه تقريرات في فتح القدير، وقد رد تلك التقريرات صاحب السعاية رداً حسناً وقال في أول كلامه عليها ما لفظه: وفيه على ما أقول خدشات تنبهك على أن تقريره كله من خرافة ناشيء عن عصبية مذهبية، وقال في آخر كلامه عليها ما لفظه: فتأمل في هذا المقام فإن المقام من مزال الأقدام حتى زل قدم الهجام بن الهمام انتهى. ولعل صاحب بذل المجهود عن هذا غافل فذكر تلك التقريرات المردودة وكذا ذكر تعقبات العيني المردودة واعتمد عليهما واغتنمهما. وكذلك يأتي في أمثال هذه المباحث بالتقريرات المخدوشة ولا يظهر ما فيها من الخدشات ولا يشير إلى من ردها فلا أدري أنه يأتي بها مع الوقوف على ردها أو مع الغفلة عن ذلك فالله تعالى أعلم. فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم وقد أطال في هذا البحث الفاضل للكنوي في السعاية الكلام وأجاد وقال في آخر البحث ما لفظه: ولعل المنصف غير المتعسف يعلم بعد ملاحظة هذا البحث ضعف كلام أرباب التثليث وقوة كلام أصحاب التسبيع والتثمين انتهى. قوله: (وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة نحو هذا ولم يذكر فيه إذا ولغت الهرة غسل مرة) قال الحافظ في الدراية بعد نقل هذا الحديث عن جامع الترمذي وذكر قوله هذا: وقد أخرجه أبو داود وبين أن الهر موقوف انتهى. وقال البيهقي في المعرفة: حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة إذا ولغ الهر غسل مرة. فقد أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ولوغ الكلب ووهموا فيه والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع وفي ولوغ الهر موقوف ميزه علي بن نصر الجهضمي عن قرة بن خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة ووافقه عليه جماعة من الثقات انتهى. وروى الدارقطني هذا الحديث في سننه من طريق أبي بكر النيسابوري عن حماد وبكار عن أبي عاصم عن قرة بن خالد عن محمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طهور الإناء إذا ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرات الأولى بالتراب والهرة مرة أو مرتين، قرة يشك. ثم قال الدارقطني قال أبو بكر: كذا رواه أبو عاصم مرفوعاً ورواه غيره عن قرة ولوغ الكلب مرفوعاً وولوغ الهر موقوفاً انتهى. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن مغفل) أخرجه مسلم مرفوعاً بلفظ إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب، قال النووي في شرح مسلم: فأما رواية وعفروه الثامنة بالتراب فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعاً واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسله فسميت ثامنة لهذا والله أعلم انتهى. وتعقب ابن دقيق العيد على هذا القول بأن قوله وعفروه الثامنة بالتراب ظاهر في كونها غسلة مستقلة لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازاً وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى انتهى.
92- حدثنا إسْحَاقَ بن مُوسَى الأنْصَارِيّ حدثنا مَعنٌ حدثنا مالكُ بنُ أنَسٍ عن إسْحَاقَ بن عبد الله بن أَبي طَلْحَةَ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بنِ رِفاعةَ عن كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبٍ بنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ ابن أَبي قَتَادَةَ أَنّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، قالَتْ: فَسَكَبْتُ لَهُ وضُوءًا، قالَتْ: فَجَاءَتْ هرّةٌ تَشْرَبُ، فَأَصْغَىَ لَهَا الإْنَاءَ حَتّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يا بنتَ أَخِي؟ فَقلت: نَعَمْ، قالَ: إنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنّهَا لَيْسَتْ بنَجَسٍ، إنّمَا هِيَ مِن الطوّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوِ الطّوّافَاتِ". (وَقَدْ روَى بَعْضُهُمْ عنْ مَالِكٍ: (وَكَانَتْ عِنْدَ أَبي قَتَادَةَ) وَالصّحِيحُ (ابنِ أَبي قَتَادَةَ)). قَالَ: وفي البابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبي هُرَيرةَ. قال أبو عيسى: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَماءِ مِنْ أصْحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَالتّابعينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلُ: الشافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ: لَمْ يَرَوْا بِسُؤْرِ الْهِرّةِ بَأْساً. وَهَذَا أَحْسَنُ شيْءٍ (رُوِى) فِي هَذَا الْبَابٍ. وَقَدْ جَوّدَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبي طَلْحَةَ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَحَدٌ أَتَمّ مِنْ مَالِكٍ. قوله: (نا معن) هو معن بن عيسى بن يحيى الأشجعي ثقة ثبت قال أبو حاتم هو أثبت أصحاب مالك. (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني ثقة حجة من رجال الستة مات سنة 132 اثنتين وثلاثين ومائة (عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة) الأنصارية المدنية زوج إسحاق بن أبي طلحة وهي والدة يحيى بن إسحاق. مقبولة كذا في التقريب، قلت هي من التابعيات وذكرها ابن حبان في الثقات كما في تهذيب التهذيب (عن كبشة ابنة كعب بن مالك) زوج عبد الله بن أبي قتادة وقال ابن حبان لها صحبة (وكانت عند ابن أبي قتادة) وهو الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم واسم ابنه عبد الله والمعنى كانت زوجة ولده (أن أبا قتادة دخل عليها) أي على كبشة (قالت فسكبت له وضوءاً) بضم التاء على المتكلم، والوضوء بفتح الواو ماء الوضوء أي صببت له وضوءاً في الإناء ليتوضأ منه لما جاء في رواية فسكبت له وضوءاً في إناء قاله أبو الطيب السندي، وفي المرقاة قال الأبهري بضم التاء على التكلم ويجوز السكون على التأنيث انتهى. قال القاري: لكن أكثر النسخ الحاضرة المصححة بالتأنيث ويؤيد المتكلم ما في المصابيح قالت فسكبت انتهى. (فأصغي) بالغين المعجمة أي أمال (لها) أي الهرة الإناء ليسهل عليها الشرب (فرآني أنظر إليه) أي فرآني أبو قتادة والحال أني أنظر إلى شرب الهرة الماء نظر المنكر أو المتعجب (فقال أتعجبين) أي بشربها من وضوئي (يا ابنة أخي) المراد إخوة الإسلام ومن عادة العرب أن يدعو بيا ابن أخي ويا ابن عمي وإن لم يكن أخاً أو عماً له في الحقيقة (إنها) أي الهرة (ليست بنجس). قال المنذري ثم النووي ثم ابن دقيق العيد ثم ابن سيد الناس: بفتح الجيم من النجاسة كذا في زهر الربى على المجتبى وكذا ضبط السيوطي في قوت المغتذي. وقال القاري في المرقاة وذكر الكازروني أن بعض الأئمة قال هو بفتح الجيم والنجس النجاسة فالتقدير أنها ليست بذات نجس وفيما سمعنا وقرأنا على مشايخنا هو بكسر الجيم وهو القياس أي ليست بنجسة ولم يلحق التاء نظراً إلى أنها في معنى السنور انتهى. (إنما هي من الطوافين عليكم) قال البغوي في شرح السنة: يحتمل أنه شبهها بالمماليك من خدم البيت الذين يطوفون على أهله للخدمة كقوله تعالى {طوافون عليكم} ويحتمل أنه شبهها بمن يطوفون للحاجة يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة والأول هو المشهور وقول الأكثر وصححه النووي في شرح أبي داود وقال لم يذكر جماعة سواه (والطوافات) شك من الراوي كذا قاله ابن الملك. وقال في الأزهار يشبه ذكورها بالطوافين وإناثها بالطوافات. وقال ابن حجر وليست للشك لوروده بالواو في روايات أخر بل للتنويع ويكون ذكر الصنفين من الذكور والإناث كذا في المرقاة. قوله: (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه أبو داود عن داود بن صالح بن دينار التمار عن أمه أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة فوجدتها تصلي فأشارت إلى أن ضعيها فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة فقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها. قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه. ورواه الدارقطني وقال تفرد به عبد العزيز الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ وروى ابن ماجه والدارقطني من حديث حارثة عن عمرة عن عائشة قالت كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد قد أصابت منه الهرة قبل ذلك. قال الدارقطني وحارثة لا بأس به انتهى كذا في نصب الراية. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني بلفظ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار ودونهم دار فشق ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا فقال عليه الصلاة والسلام لأن في داركم كلباً قالوا فإن في دارهم سنورا فقال عليه السلام: السنور سبع ورواه الحاكم مختصراً بلفظ: السنور سبع. ورواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم الهر سبع وفي أسانيد جميع هؤلاء عيسى بن المسيب وعليه مدار جميع طرق الحديث وهو ضعيف. وقد ذكر الزيلعي طرق هذا الحديث مع الكلام على عيسى بن المسيب من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه. وفي الباب عن أنس بن مالك قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض بالمدينة يقال لها بطحان فقال يا أنس اسكب لي وضوء فسكبت له فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته أقبل إلى الإناء وقد أتى هر فولغ في الإناء فوقف له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة حتى شرت الهر ثم سألته فقال يا أنس إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئاً ولن ينجسه، كذا في نصب الراية. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني قال الحافظ في بلوغ المرام صححه الترمذي وابن خزيمة وقال في التلخيص وصححه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني. قوله: (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يرو بسؤر الهرة باساً) يعني أن سؤر الهرة طاهر من غير كراهة عند هؤلاء الأئمة وهو قول مالك وغيره من أهل المدينة والليث وغيره من أهل مصر والأوزاعي وغيره من أهل الشام والثوري ومن وافقه من أهل العراق والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وعلقمة وإبراهيم وعطاء ابن يسار والحسن فيما روى عنه الأشعث والثوري فيما روى عنه أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي كذا ذكره الحافظ بن عبد البر وبه قال أبو يوسف حكاه العيني والطحاوي. وهو رواية عن محمد ذكره الزاهدي في شرح مختصر القدوري والطحاوي كذا في التعليق الممجد. وقال الحنفية إن سؤر الهرة طاهر مع الكراهة. واحتج الأولون بأحاديث الباب وقولهم هو الحق والصواب. واحتج الحنفية بأن أحاديث الباب تدل على طهارته والأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة وكذلك كونها سبعاً يدل بظاهره على نجاسته فأثبتوا حكم الكراهة عملاً بهما. ورد احتجاجهم هذا بأن الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة لم يثبت، وأما ما ورد في حديث أبي هريرة المذكور في الباب المتقدم من الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة بلفظ وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة فقد عرفت أنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم بل هو مدرج. وقال القاري في المرقاة بعد ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه: وأما خبر يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً ومن ولوغ الهرة مرة فمدرج من قول أبي هريرة كما بينه البيهقي وغيره وأن خفي على الطحاوي، ولذا قال سؤر الهرة مكروه كراهة تحريم، قال وأما ما اشتهر بين الناس من أنه عليه الصلاة والسلام قطع ديل ثوبه الذي رقدت عليه هرة فلا أصل له انتهى. فأما كونها سبعاً فلم يثبت بحديث صحيح وما جاء فيه فهو ضعيف لا يقاوم الأحاديث التي هي نصوص صريحة في أن الهرة ليست بنجسة. على أنه لا يلزم من كونها سبعاً أن تكون نجسة قال القاضي الشوكاني في النيل: حديث الباب مصرح بأنها ليست بنجس فيخصص به عموم حديث السباع بعد تسليم ورود ما يقضي بنجاسة السباع وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس إذ لا ملازمة بين النجاسة والسبعية على أنه قد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون بين مكة والمدينة فقيل إن الكلاب والسباع ترد عليها فقال: لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور، وأخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة وقال له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ: أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها، وأخرج الدارقطني وغيره عن ابن عمر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسار ليلاً فمروا على رجل جالس عند مقراة له وهي الحوض الذي يجتمع فيه الماء فقال عمر أولغت لسباع عليك الليلة في مقراتك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور، هذه الأحاديث مصرحة بطهارة ما أفضلت السباع انتهى ما في النيل. فائدة: قال العلماء يستحب اتخاذ الهرة وتربيتها أخذاً من الأحاديث، وأما حديث حب الهرة من الإيمان فموضوع على ما قاله جماعة كالصغاني، ذكره القاري. قوله: (قد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) أي صححه وجعله جيداً، قال الزيلعي في نصب الراية. رواه الحاكم في المستدرك وقال وقد صحح مالك هذا الحديث واحتج به في موطئه وقد شهد البخاري ومسلم لمالك أنه الحكم في حديث المدنيين فوجب الرجوع إلى هذا الحديث في طهارة الهرة قال الشيخ تقي الدين في الإمام ورواه ابن خزيمة وابن منده في صحيحيهما ولكن ابن منده قال وحميدة وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث ومحلهما محل الجهالة ولا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه. قال الشيخ وإذا لم يعرف حالهما إلا في هذا الحديث فلعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتهما مع شهرته بالتثبت انتهى ما في نصب الراية، وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر قول ابن منده متعقباً عليه: فأما قوله لا يعرف لهما إلا هذا الحديث فمتعقب بأن لحميدة حديثاً آخر في تشميت العاطس رواه أبو داود ولها ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة وأما حالهما فحميدة روى عنها مع إسحاق ابنه يحيى وهو ثقة عند ابن معين وأما كبشة فقيل إنها صحابية فإن ثبت فلا يضر الجهل بحالها والله أعلم انتهى. قلت قد تقدم أن حميدة ذكرها ابن حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب مقبولة، وأما كبشة فقال ابن حبان لها صحبة وتبعه الزبير بن بكار وأبو موسى كما في تهذيب التهذيب وقد صحح الحديث البخاري والترمذي وابن خزيمة وغيرهم كما عرفت، فقول من عرف مقدم على من لم يعرف.
|